كي يبقى "الشخص المهم" في دائرة الضوء لافتاً الانتباه إلى درجة لا تجعل جمهوره يسأم أو يضجر من حضوره أو أدواره التي يلعب، عليه أن يستخدم تقنيات مسرحية: إثارة الترقب، لهفة اللقاء، خلق التعاطف، إتقان الدور.. ولعل آخرها هو الأهم إذ لكلّ منا دوره الخاص في الحياة ويحدث أنّ العالم يريد أن يوكل إلينا أدوراً أخرى وبمجرد أن تقبل "أدوار الآخرين" تحكم على نفسك بالفشل. حتى الشخصية التي تبدو أنك ولدت بها ليس بالضرورة أن تبقيها رهينة الخصائص التي ورثت وصنيعة ذويك وأصدقائك ومعلميك.. بل بمنع الآخرين من قولبة ذاتك وتشكيل مواقفك وفق ما يريدون لا وفق ما تتمنّى وتريد.
في عالم الأقوياء يصنع المرء ذاته بذاته، يتصور نفسه كنحات/ كرسّام له لمساته في تحديد ألوان ومعالم شخصيته، ولعل أهم خطوة في عملك كفنان أن تعي دورك كممثل بارع يرتدي لكلّ زمان حلة، ولكلّ موقف رداؤه، وأن يعرف كيف يسيطر على مظهره وتحركه، يضبط عواطفه وحتى إشارته. المطلوب قليل من الحذاقة في إيجاد شخصية تشد الانتباه وتعلق في الذاكرة، واعلم أنّ مفتاح إبقاء الأعين عليك متلهّفة هو عندما تعمد إلى كشف الأحداث ببطء ثمّ جعلها تتسارع في اللحظة المناسبة حسب إيقاعات مدروسة، فالحكّام العظام ما أصبحوا كذلك إلا باعتمادهم "التوقيت المسرحي" لمفاجأة جمهورهم وإلهائه بتدبير الأحداث وفق سياق وإيقاع معيّن. وإنّ ما تفعله ليس هو المهم لأنّ الأهم هو الطريقة التي تتبعها، أي تعرف كيف تكون أمام الأحرار واحداً منهم، ومع الصقور صقراً وأمام الذئاب لا تظهر أرنباً.
المثال:
هذا ما حاولت مهى أن تقوم به حيث تخبرنا تجربتها التالية "عالمنا الذي نعيش فيه اليوم، عالمٌ يهتم بالمظاهر، ولأنني أدرك هذه الحقيقة وأعرف أنّ الناس تمنح قدراً أكبر من الاحترام للذين تحيط بهم الهالة، لعبت لعبتي بأن أحيط أسرتي الصغيرة بقدر من المكانة والهيبة أمام النّاس فصار أقربائي من أكبر عائلات البلد، وأجدادي كانوا ذوي مناصب رفيعة، وبعض أصحاب النفوذ أقارب لوالدتي.. وكثير من الأملاك والعقارات هي ملك لأقارب لنا.. كنت أقول ذلك بثقة كبيرة وأتعمّد أن أخبر حكاية مجد أو واقعة عظيمة حدثت حتى أصبح خيالي خصباً.. خاصة عندما أخذ النّاس يصدّقون رواياتي حيث وجدتهم يطلبون مني خدمات ووساطات وأسوّف ذلك.. لا يستاؤون مني بل يكبرون فيّ صراحتي: حاولت جاهدةً لكم ولكن الآخرين لم يبالوا.. وهكذا بقدر بسيط من الإيهام وسط أصدقائي بأنني شيء مهم.. أخذت أنال قدراً من الثناء ونظرات الإعجاب والانبهار الدائم في عيونهم وحرصهم على توثيق علاقاتهم بسليلة أسرة تنتمي إلى فئة عليا في المجتمع".
شيء رائع أن نتمتّع بشيء من سعة الخيال، فالإنسانية تدين بتطورها لذوي الخيال الخصب، والناجحون في الحياة آمنوا في أعماقهم بأن: ما يود أن يكونه الإنسان يُصبح!! لكن مثل هذا الاعتقاد إذا أمعنا فيه يحفّه مخاطر فوق المعقول، لأنّ أسوأ ما يمكن أن يحدث لنا أن ندّعي الأسماء البراقة ونتصنع التصرف الأرستقراطي حتى يبدو باهتاً، فاضحاً فيوقعنا في المهالك، بينما المطلوب هو قليلٌ من الحذر ووزن الأمور بعقل يقظ وعين مراقبة وسعة خيال تنقذنا من المواقف المحرجة فيما لو حدثت، وأن نعي بأنّ هناك فرق بين النفاق والمجاملة، بين الكذب وسعة الخيال وبين إدعاء الوجاهة وإثبات الذات بأنها شيء مهم.. وهنا تكمن براعتك كي تكون في المقدمة بأن تعرف الفارق بينهما..
الملخص:
كن مستعداً لكلّ ما يتطلّبه منك مقتضى الحال، جهّز أزياءك وأقنعتك للحالات المُفترضة الحدوث، أعرف ما ترغبه كلّ فئة من النّاس: عاقلاً أمام الحكماء، خبيثاً مع الخبثاء، قديساً بين القديسين.. فذلك يجعلك ممثلاً ناجحاً.
المرادف:
· مَن أراد النجاح في هذا العالم عليه أن يتغلّب على أسس الفقر الستة: النوم، التراخي، الخوف، الغضب، الكسل، المماطلة.. (حكمة هندية)
· ما دام ليست هناك حياة تافهة.. فلن يكون هناك عمل تافه. (أندريه ساخاروف)
· لتخطّي الخوف يجب أن تكون أنت الخوف الذي تدبّه في الآخرين. (عبارة وردت في الفيلم الأمريكي "الرجل الوطواط" على لسان مدرّبه).►
المصدر: كتاب قاموس الأقوياء (حتى لا يأكل الآخرون رأسك)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق